استطلاع ـ فيصل بن سعيد العلوي
مشاركة سلطنة عمان في بينالي البندقية بإيطاليا نموذجا
تمثل مشاركة سلطنة عُمان بجناحها في معرض بينالي البندقية للفنون 2022 بإيطاليا هذا العام نقلة نوعية كبرى في تاريخ المشاركات الدولية في هذا الحدث العالمي المهم، متميزة بمشاركة جمعت ثلاثة فنانين يمثلون أجيالا مختلفة من المبدعين في سلطنة عمان حيث العناصر الطبيعية الأصيلة التي تتميز بها الجذور العمانية وارتباط الفنان ببيئته المحلية عبر أعمال الفنان حسن مير المستمدة من مطرح العريقة، مرورا بأعمال الفنانة بدور الريامية المركزة على التنوع الصخري الفريد الذي يتميز به الجبل الأخضر وجبل شمس، إضافة إلى الأعمال الفنية المستمدة من المقومات الطبيعية لكهف الهوتة التي تقدمها الفنانة راديكا كيمجي.. وتعكس هذه الأعمال عبر أكبر مهرجان فني التقاليد الإبداعية للفنون الحديثة بهدف تعزيز الحوار الحضاري المشترك وإبراز الصورة الحقيقية لتنوع المشهد الفني والثقافي بسلطنة عمان..
وحول أهمية المشاركة الدولية في حدث مهم مثل بينالي البندقية للفنون 2022 بإيطاليا، وما هو الدور الذي تؤديه المشاركات في ترويج وتسويق الأعمال الفنية وتحقيق المحور الأهم في الاستراتيجية الثقافية لوزارة الثقافة والرياضة والشباب وهو الالتقاء والحوار والتبادل الثقافي والتعرُّف على التجارب الفنية وخاصة في الفن المعاصر نستطلع آراء نخبة من الفنانين والكتّاب للحديث عن المعارض الدولية العالمية في الترويج وتمكين الصناعات الإبداعية وخاصة في مجال الفنون البصرية وتعزيز الإنتاج الثقافي والهوية وحضورها في المشهد الثقافي العالمي..
بداية يقول سعادة السفير الدكتور أحمد بن سالم باعمر سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى إيطاليا إن مشاركة سلطنة عمان في المعرض الدولي للفنون «بينالي البندقية» تأتي تتويجا لجهود وزارة الثقافة والرياضة والشباب ومساهمتها الكبيرة في دعم المشهد الفني والثقافي المتطور في سلطنة عمان عبر منصة بينالي التي تتمتع بشهرة عالمية منذ عام ١٨٩٥م، وكذلك السعي لتحقيق المحور المركزي في الاستراتيجية الثقافة للوزارة، وهي بذلك بلا شك تسلط الضوء على جهود الفنانين المبدعين العمانيين وإعطاء صوت ومشاركة للفنانين في مثل هذه المحافل العالمية الشهيرة وذلك من أجل تأسيس وإنشاء مشاريع فنية فريدة تعكس رؤاهم ومجتمعاتهم ونقل ثقافة سلطنة عمان إلى العالمية عبر هذا المهرجان الدولي.
ويضيف «سعادته»: مشاركة سلطنة عمان لأول مرة في معرض بينالي تعكس عمق العلاقات الثنائية بين سلطنة عمان وإيطاليا والتي تترجمها الدبلوماسية الثقافية من خلال تعزيز التبادلات الثقافية في ظل السمات والقواسم المشتركة التي تجمع بين الشعبين العُماني والإيطالي الصديقين، كما أن الفن والثقافة يعدان من أهم روافد الدبلوماسية الثقافية أو القوة الناعمة التي تهدف إلى إيجاد علاقات مباشرة بين الشعوب.
وتجسد هذه المشاركة إطارا لمد جسور التواصل والصلات بين مختلف شعوب العالم؛ وتعظم وتعزز التعاون المشترك عبر تفعيل قنوات التواصل الثقافي على كافة المستويات الرسمية والمجتمعيّة؛ إضافة إلى تقوية التمازج والحوار الحضاري المشترك وفتح مسارات العلائق الإنسانية في إطارها الفني والثقافي.
ويؤكد سعادة سفير سلطنة عمان المعتمد لدى إيطاليا: إن افتتاح جناح سلطنة عمان في هذا المحفل الدولي الشهير الذي يعد الحدث الأقدم والأشهر في العالم في مجال العروض الدولية للفنون المعاصرة كان له أثر فني وثقافي على المستوى الدولي مما عكس ظهور سلطنة عمان بصورة مشرّفة في هذا الصرح الفني العريق.
وأضاف: يأتي الحدث تعزيزا للحركة الثقافيّة في سلطنة عُمان وفقا لأهداف الرؤية الثقافية لعام ٢٠٤٠ حيث يتأتّى في جزء منه من هكذا مشاركات دوليّة في مختلف الفعاليات ذات الحضور العالمي؛ ومنها المشاركة في بينالي البندقيّة للفنون في دورتها التاسع والخمسين بأعمال مختارة لثلاثة أجيال من الفنانين العُمانيين ممن تركوا بصمة في الفن العُماني المعاصر؛ وإبراز الثقافة العُمانية على الساحة العالمية خصوصا أن معرض البندقيّة الدولي للفنون يعد أحد أهم وأعرق المهرجانات الثقافية الفنية العالميّة التي تعرض الأعمال المعاصرة للفنانين من جميع أنحاء العالم، كما تمثل المشاركة في البينالي حلم أي فنان عماني، وأن الشخص الذي ينال شرف المشاركة في «البينالي» كالذي يحصل على جائزة عالمية في الفنون المعاصرة، وأعتقد أن هذا ما لمسه المشاركون خلال وجودهم وسط المناخ والحراك الفني العالمي.
ويستشهد سعادة السفير الدكتور أحمد بن سالم باعمر سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى إيطاليا بمقولة الصحفي ريتشارد دورمنت في الديلي تلجراف، أن «البينالي»: يمتلك لغة خاصة يجيدها ويفهمها الجميع. عند زيارته لا تحتاج إلى مترجم أو دليل أو خريطة. تحتاج فقط إلى أن تجلب معك كل حواسك لتتمتع بكل لحظة، وبكل عمل في أروقته.
رسالة إلى العالم
من جانبها تقول المكرمة الدكتورة عائشة الدرمكية: إن أهمية مشاركة سلطنة عُمان في هذا الحدث العالمي المهم تأتي ضمن تلك الجهود الحثيثة التي تنتهجها في إيصال رسالة عُمان إلى العالم، تحقيقا لأهداف رؤية عُمان 2040، وتفعيلا للاستراتيجية الثقافية، التي تهدف إلى تسويق الثقافة العمانية والتعريف بها في أرجاء العالم، ولهذا فإن هذه المشاركة تعكس فيما أرى مجموعة من الأهداف وتدل على مجموعة من الرموز التي تؤصِّل الفن العماني وتميِّزه، فالمشاركة في جناح خاص يحتوي مجموعة من أعمال فنانين عمانيين لهم مدارس فنية متنوعة، إضافة إلى انتمائهم إلى أجيال مختلفة، بل وحضور الفنانة العمانية بشكل متميز بجانب الفنان العماني، يحقق أهدافا لها أبعادها التنموية على المستوى الثقافي والاجتماعي وطنيا ودوليا.
وتابعت حديثها: لعل اللافت في الأعمال المعروضة في هذا الحدث هو ارتباطها بالبيئة العُمانية بتنوعها المكاني والجيولوجي، حيث ظهرت أعمال حسن مير المرتبطة بولاية مطرح، وأعمال راديكا كيمجي التي ترمز إلى كهف الهوتة، وكذلك أعمال بدور الريامية المعتمدة على أحجار الجبل الأخضر وجبل شمس، وهكذا، بحيث ظهر الفن العماني في علاقة حضارية مع بيئته، مما يكشف وعي الفنان العماني وعلاقته مع الطبيعة من ناحية، وفهمه العميق لأهمية العودة إلى الطبيعة في عالم يوجِّه المجتمعات نحو الالتفات إلى البيئة والطبيعة والعمل من أجلهما باعتبارهما رمزا للسلام والاستدامة والمحبة، إضافة إلى ما ترمز إليه أعمال أنور سونيا من ثقافة عمانية وما ترتبط به من هُوية تعود إلى أصول هذه الثقافة وثوابتها الراسخة.
وتضيف «الدرمكية»: هذه المشاركة لا تكتسب أهميتها في التعريف بالفن العماني والفنان وقدرتهما على التلاقي مع الفن العالمي وحسب، بل هي خطوة أساسية ومهمة في صعيد دعم الاستثمار في الثقافة وتمكينه، بما يُعزِّز القيمة المضافة للفنون، ويوجِّه نحو الاستفادة من ممكِّنات هذه المعارض العالمية والمهرجانات الدولية التي تُقدم نفسها باعتبارها مجالا واسعا لهذا الاستثمار، وقدرة هائلة للصناعات الثقافية الإبداعية التي تكشف التمُّيز وتُقدم الفن الإبداعي ليس بوصفه لوحة بقدر ما يكون إبداعا قادرا على التشكُّل والوصول إلى منافذ البيع العالمية. ولذلك فإن توجُّه الدولة إلى دعم مثل هذه المشاركات العالمية سيُسهم في تسويق الفن البصري العماني، وتقديمه إلى المجتمعات الدولية باعتباره واجهة ثقافية، وصناعة إبداعية، ورسالة فِكر وسلام، ليُشكل تميُّزا على مستوى التشكيل، وإبداعا على مستوى التنفيذ، ورُقيَّا على مستوى التقديم، ولكل ذلك فإنه يستحق أن يكون منافسا نراه في المتاحف والواجهات العالمية الكبرى. إنه فن له تاريخه وعلينا ألا نستهين بقدرته على المنافسة، وهذا ما تراهن عليه عُمان في مثل هذه المشاركات العالمية التي يبرز فيها الفن العماني بهُويته وقدرته الإبداعية.
وفي الختام تؤكد المكرمة الدكتورة عائشة الدرمكية أن هذه المشاركة العالمية التي يلجها الفنان العماني لأول مرة رسميا، يجب أن تكون قادرة على تأسيس خطوات حقيقية ومهمة في استثمار الثقافة العمانية، بحضورها في المنافذ الدولية، بما يُعزِّز ثقة الفنان العماني، ويُمكِّن الفن الإبداعي من المضي قدما، وعليه نأمل أن تكون هناك مشاركات دولية قادمة يستطيع الفنان من خلالها ترويج الفن العماني والإبداع التشكيلي وتسويقه باعتباره مُنْتجا فنيا أصيلا منافسا.
نقلة نوعية فارقة
وحول الاحتفاء بالإبداع في كل مساقاته يقول الشاعر حسن المطروشي: تابعت هذه المشاركة المهمة باحتفاء بالغ، وأشعر أنها مشاركة في غاية الأهمية لأسباب عدة، فهي أولا تدشن مرحلة جديدة ونوعية من عودة المشاركات العمانية الخارجية على غرار ما كان يقام في السابق من الأيام والأسابيع الثقافية العمانية، ولكنها تأتي هذه المرة ضمن استراتيجية واضحة ومحددة، أعلنتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، نهاية العام الماضي، وكان من ضمن مرتكزاتها التواصل والحوار والتبادل الثقافي. أما حضور الإبداع العماني في بينالي البندقية للفنون، هذه المؤسسة التي تأسست عام 1895م، وفي قلب مدينة البندقية الإيطالية العريقة، فهو بمثابة نقلة نوعية فارقة لما لهذه المدينة من أهمية وحضور ثقافي وتاريخي وحضاري كبير، وهي المدينة التي جعلها شكسبير مكانا لاثنتين من مسرحياته الشهيرة وهما (تاجر البندقية) و(عطيل)، كما أنجبت هذه المدينة عبر تاريخها العديد من الأدباء والرسّامين والموسيقيين العظام، وهي تعد خيارا مفضّلا لدى صنّاع السينما لتصوير الأفلام، لذا فهي تعد بحق إرثا حضاريا إنسانيا خالدا، وإننا على ثقة من قدرة المبدع العماني على تقديم تجربة غنية لافتة تحمل في مضامينها خصوصية الإرث العماني العريق وتخاطب شعوب العالم عبر لغة إبداعية حضارية منفتحة وعميقة، الأمر الذي من شأنه التعريف بثقافة سلطنة عمان وفنونها ومبدعيها بشكل عام، وهو أيضا يفتح آفاقا مستقبلية للمزيد من الحضور والانتشار العالمي.
ويضيف «المطروشي»: إلى جانب تعزيز الحضور العماني في المحافل العالمية فإن مثل هذه المشاركات من شأنها أن تسهم في تعزيز الوعي وتعميق المعرفة واكتساب المزيد من الخبرة لدى المبدع العماني، من خلال الاطلاع على الممارسات المختلفة وتحولات النتاج الفني والبصري في تجلياته الأكثر حداثة وتجديدا، الأمر الذي يسهم في الارتقاء بالتجربة العمانية بشكل عام.
وفي الختام يقول الشاعر حسن المطروشي: إن مثل هذه المشاركات تعطينا مؤشرات واضحة بأن هناك اشتغالا مؤسسيا مدروسا يجري تنفيذه وفق خططٍ طموحة وخلّاقة في قطاع الثقافة والفنون في بلدنا الحبيب، وإننا نتطلع إلى مستقبل زاهر لهذا القطاع المهم.
الاستمرارية مطلب
من جانبها تقول الفنانة عالية الفارسية حول أهمية المشاركة الدولية والدور الذي تؤديه: إن أهم وسيلة لأي فنان للوصول للعالمية هي المشاركات الخارجية، فالأحداث الدولية على غرار بينالي البندقية، هي منصات لعرض إبداعات الفنانين للجمهور المستهدف، الذي قد لا تصل إليه إلا عن طريق هذه المشاركات. ووضّحت: شخصيا، مشاركتي الأولى في بينالي البندقية ٢٠١٥ في الجناح العربي كانت ثرية جدا، حيث أتيحت لي الفرصة للالتقاء بعشرات المقتنين، ورؤساء المعارض العالمية، وعدد هائل من كبار الفنانين في العالم العربي والغربي، وكانت فرصتي الأولى لتعريف الجمهور الإيطالي خاصة والأوروبي عامة بهوية جديدة عليهم، وموروث أصيل وثقافة مختلفة، لهذا تمت دعوتي للمشاركة في بينالي البندقية مرة أخرى في ٢٠١٧، وأعتقد أن تمثيل سلطنة عمان في مناسبة بهذا الزخم الإعلامي كان له الدور الكبير في تعريف أصدقائنا الأوروبيين بعمان كحضارة، وليس فقط كمقصد سياحي. وتضيف «الفارسية»: مشاركة سلطنة عمان هذا العام كانت على مستوى رسمي بارز، حيث تم اختيار نخبة من الفنانين الرائعين لتمثيل الجناح العماني في بينالي البندقية، وهذا الحضور الرسمي له آثار خاصة تعكس رغبة المهتمين بالقطاع الفني في سلطنة عمان لتسليط الضوء على المواهب العمانية بمختلف أجيالها، وتنوع أساليبها. وترى الفنانة عالية الفارسية في ختام حديثها ضرورة الاستمرارية في المشاركة حيث تقول: الاستمرارية مطلب مهم، حيث يرسخ وجود علم سلطنة عمان في تظاهرة تعد الأبرز في عالم الفنون البصرية، وكنت فخورة برؤية صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب حاضرا وهو يستمع بشغف إلى المشاركين في الجناح العماني، وآمل أن تستمر مشاركاتنا على المستوى الرسمي في محافل عديدة على غرار بينالي البندقية على أمل أن تترجم هذه المشاركات إلى عوائد تخدم الفنانين والقائمين على هذه المشاركات، وأن تصبح عمان معلما رئيسا على خريطة الفن المعاصر.
ترويج ثقافي وحضاري
ويؤكد الفنان الدكتور سعود الحنيني أن المشاركات الدولية مهمة جدا في مسيرة أي فنان تشكيلي ومشاركة سلطنة عمان في بينالي البندقية خطوة مهمة وجميلة في دعم الحراك التشكيلي العماني كون هذا الملتقى يعد من أهم الملتقيات الفنية التشكيلية العالمية وله ثقله ووزنه الذي يطمح ويحلم به كل فنان، وهنا لا يسعنا إلا أن نشكر وزارة الثقافة والرياضة والشباب على هذه المبادرة المهمة ومشاركة فنانين خبرات وأكاديميين وعلى مستوى عال، وهي خطوة يستحقون الشكر عليها، فوجود ركن خاص بسلطنة عمان في ملتقى فني مهم مثل بينالي البندقية يعد إضافة وإنجازا نفخر به وهو يحقق الترويج الثقافي والحضاري للفن التشكيلي في سلطنة عمان. ويضيف «الحنيني»: المشاركة في الملتقيات الفنية الدولية المهمة تعد مهمة جدا لإبراز حضارة أي مجتمع وثقافته، وهي تتيح الفرصة للتعرف على هذه الملتقيات والفعاليات ذات المكانة العالية والتعرُّف على الثقافات المختلفة مما يساعد في بلورة الفكر وتقويم التوجه والاستفادة من الخبرات لظهور جيل شباب واع بالفن وأهميته وقيمته الحضارية، بالتالي العمل على تسويق تلك الأعمال عالميا نتيجة حضور المهتمين بالفن في مثل هذه الملتقيات وبالتالي يتعرَّفون على البلد والفنانين المشاركين بالإضافة إلى سعي المهتمين إلى التعرُّف على فناني البلد مما يتيح لهم فرص كبيرة منها لتسويق أعمالهم.
https://www.omandaily.om/ثقافة/na/تعزيز-الإنتاج-الثقافي-والهوية-عبر-الفنون-البصرية-وحضورها-في-المشهد-العالمي