تغطية: شذى البلوشية
ضمن ندوة التاريخ المروي العماني..
انطلقت صباح أمس فعاليات ندوة «التاريخ المروي العماني» بتنظيم من مركز الدراسات الحضارية التابع لوزارة الثقافة والرياضة والشباب، بحثا في أهمية الإرث الثقافي غير المادي، وتأكيدا على ضرورة الإسراع في توثيق التراث المروي.
حضر الندوة المكرم المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي عضو مجلس الدولة ورئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وسعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة.
وركزت الندوة على ثلاثة محاور أساسية أولها؛ منهجيات توثيق التاريخ المروي، والمحور الثاني التجارب السابقة (مناقشة وتحليل)، ويتناول المحور الثالث والأخير الاستثمارات الإبداعية والابتكار في مواد التاريخ المروي.
وتضمنت الندوة جلستي عمل قدم فيها كل من الدكتور سليّم بن محمد الهنائي، أستاذ مساعد في جامعة نزوى، ورقة بعنوان (الأهمية التاريخية والحضارية للتأريخ الشفوي في سلطنة عمان)، بينما تناولت الورقة الثانية (التاريخ المروي البحري والإمكانيات السياحية المستدامة في سلطنة عمان) قدمها الدكتور محفوظ بن سليمان الشيادي، أخصائي تقويم بوزارة التربية والتعليم، أما الورقة الثالثة فتكون بعنوان (التراث غير المادي وبنيته الفكرية -الأغاني الشعبية في عمان أنموذجا-) قدمها الدكتور زاهر بن مرهون الداودي، أستاذ اللسانيات المشارك في جامعة السلطان قابوس.
وقدم يونس بن جميل النعماني، مدير مساعد قطاع الثقافة في اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم ورقته خلال الجلسة الثانية من الندوة والتي حملت عنوان (واقع توثيق التاريخ المروي في سلطنة عُمان واستدامته)، وحملت ورقة الدكتور محمد بن حمد العريمي مشرف على القسم التاريخي بموقع أثير الالكتروني، عنوان (مناقشة وتحليل للتجارب السابقة في جمع التاريخ المروي)، بينما قدم حبيب بن مرهون الهادي أخصائي تراث مادي باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم الورقة الثالثة بعنوان (التراث المروي.. تجارب عالمية).
بدأت الندوة بكلمة ألقاها سعيد الطارشي مدير دائرة البحوث والترجمة بمركز الدراسات الحضارية قال فيها: «من أبرز قيم الاستراتيجية الثقافية الهوية الوطنية، والتواصل والحوار والمجالات الهوية والتراث الثقافي غير المادي، ومن أبرز المشروعات مشروع توثيق يختص بحفظ وتوثيق الموروث الثقافي العماني». مؤكدا أن التاريخ المروي يغطي جوانب من الماضي والتجربة الإنسانية لا يلتفت عادة إليها التاريخ المكتوب أو المدون أو الوثائق خاصة في المجتمعات التي ما زال فيها مفهوم العلم التاريخي مختزلا في الجوانب السياسية ولا يتلفت إلى بقية جوانب التجربة الإنسانية والخبرات الحياتية؛ لذلك يعد التاريخ المروي أفضل معبر عن العواطف الإنسانية الصامتة والأفكار والمواقف التي لا يلتفت إليها عادة في التأريخ المدون من جانب الفكر السائد.
وقال الدكتور سليم الهنائي في ورقته التي كانت في افتتاح الجلسة الأولى للندوة: «زادت أهمية التاريخ الشفوي في ظل غياب عمليات الكتابة والتوثيق، حيث يعد التأريخ الشفوي ذاكرة محفوظة في صدور الرواة تنتظر الفرصة من أجل توثيقها وتقديمها كمادة علمية بحثية تساهم في عرض الرصيد التاريخي والحضاري لأي أمة من الأمم، وبالتالي فالتأريخ الشفوي في حاجة ماسة لتسليط الضوء عليه من أجل فهم صيرورة التأريخ وفهم أكبر للتأريخ فترة الدراسة». وتحدث الدكتور سليم عن المباحث الثلاثة التي ارتكزت عليها ورقته العلمية، المتمثلة في مناهج البحث في التأريخ الشفوي، و تدوين التأريخ الشفوي والعراقيل التي تواجهه في سلطنة عُمان، الأهمية التاريخية والحضارية للتأريخ الشفوي في سلطنة عُمان، مؤكدا أن الرواية الشفوية ماهي إلا ميدان خصب للتأريخ الشفوي، فمن خلالها يستقي مادة تأريخية محفوظة في الصدور، فيستخدم المؤرخ أدواته ومنهجه ليطوع تلك الرواية من شكلها المنطوق إلى شكل مدون متاح للجميع، مما يعني أن الرواية في شكلها الأولي مادة خام، بحاجة إلى سلسلة من العمليات حتى تتحول إلى رصيد معرفي ومصدر مهم في كتابة التأريخ، فالرواية الشفوية في شكلها الأولي قد تتصل بالتراث أو الفلكلور أو العادات أو التأريخ وغيرها، ثم بعد أن يعمل المؤرخ عليها أدواته وتصبح مادة تاريخية نقية من الشوائب، تتحول كمصدر تأريخي.
وفي مجمل العراقيل التي تواجه تدوين الرواية الشفهية قال الهنائي: تتمثل العراقيل في الصدق والعدالة، والقوة العقلية، وقوة الذاكرة، والمستوى العلمي، ومعاصرة الحدث.
وقدم الدكتور محفوظ الشيادي ورقته التي ركزت على التاريخ المروي البحري، متطرقا إلى عدد من الجوانب التي تخص هذا الجانب، مستعرضا ولاية السويق نموذجا، وحول موضوعات التاريخ المروي ركز الشيادي على الملاحة التجارية، وصناعة السفن، ومواقع الصيد، والمواسم الفلكية، والمصطلحات البحرية.
وجاءت الورقة الأخيرة من الجلسة الأولى متناولة جانب «الأغاني الشعبية» التي هي جزء من التراث الثقافي، وقال الدكتور زاهر الداودي: «تعد الأغنية الشعبية تسجيلا أمينا للبيئة التي أنتجتها، وترتسم عن طريقها أكثر خصائص المجتمع الذي أنتجت فيه، وأعمقها تمثيلا لبيئته، وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي؛ لرصد الظاهرة في التراث الأدبي بصورة صادقة أمينة، تعكس رؤية المجتمع وتفكيره، وقد خلصت الدراسة إلى أن الأغاني الشعبية في عمان لم تكن في معزل عن المجتمع العماني، وأنها استطاعت أن ترسم أحاسيس ساكنيه». وعرف الداودي الأغنية الشعبية على أنها قصيدة ملحنة مجهولة المؤلف، وهي صورة التعبير عن المشاعر الإنسانية ومصدر للتراث، وهي أيضا وسيلة للتعرف على ثقافة ومعرفة الشعب، وأضاف الداودي: «استعان أصحاب الحرف بالأغاني التي كان لكل مهنة أغانيها الخاصة بها، فهناك الأغاني للبحر، وأغان للزرع، وكلها لها أثرها الذي من خلاله يتخلص فيه الحرفي من التعب والسأم ويروح بها عن نفسه».
وفي الجلسة الثانية من الندوة التي بدأت بورقة عمل للباحث يونس النعماني التي جاء فيها التركيز على أهمية التراث المروي، وصولا إلى التحديات والصعوبات التي تواجه الباحثين في مجال توثيق التاريخ المروي أبرزها: وفاة المعاصرين للأحداث، وبناء القدرات، ومصداقية الرواية المروية «التحيز»، والدعم وضعف التمويل، الوعي بأهمية التاريخ المروي وتوثيقه، وقلة المتخصصين والمؤهلين في المجال، إضافة إلى تشتت الجهود بين المؤسسات، وعنصر التلقي المباشر.
فيما تناول الدكتور محمد العريمي في ورقته البحثية التاريخ البحري المروي في ولاية صور، حيث أكد على مسار هذا المشروع الذي بدأ بمرحلة المسح الأولي، ومن ثم تجميع المادة من 27 رواية، وبعدها فرز المعلومات ومقارنتها، وصولا إلى مرحلة الصياغة التي خرجت على هيئة كتاب بحثي متخصص. وجاءت فصول المشروع متناولة: صناعة السفن، الملاحة البحرية، الفنون المرتبطة بالملاحة البحرية، وحكايات ومواقف وقصص «أثناء الرحلات البحرية»، والمصطلحات المرتبطة بالملاحة البحرية.
واختتم الندوة بورقة الباحث حبيب الهادي الذي استعرض فيها تجارب عالمية متعددة فيما يخص التراث المروي، نموذجا من العالم العربي، ونموذجا من العالم الإسلامي «ماليزيا»، مقدما مشروع توثيق التراث المروي بمدينة جورج ناون،واستعرض أيضا نموذجا من العالم الغربي.
تجدر الإشارة إلى أن الندوة صاحبها أيضا معرض مصغر لإصدارات مركز الدراسات الحضارية المتعلقة بالتاريخ المروي لسلطنة عمان.
المصدر: جريدة عمان